كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقيل: المراد به القرإن واشتماله على كل غائبة على نحو ما ذكرنا في اشتمال اللوح المحفوظ عليه، وقد ذكر أن بعض العارفين استخرج من الفاتحة أسماء السلاطين العثمانية ومدد سلطنتهم. إلى آخر من يتسلطن منهم أدام الله تعالى ملكهم إلى يوم الدين ووفقهم لما فيه صلاح المسلمين.
وذكر بعضهم في هذا الوجه أنه مناسب لما بعد من وصف القرآن وفيه ما فيه، وقال الحسن: الغائبة هو يوم القيامة وأهوالها، وقال صاحب الغنيان: الحوادث والنوازل، وقيل: أعمال العباد، وقيل: ما غاب من عذاب السماء والأرض، والعموم أولى، وروى ذلك عن ابن عباس، فقد أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه أنه قال: في الآية يقول سبحانه: ما من شيء في السماء والأرض سرًا وعلانية إلا يعلمه سبحانه وتعالى، وأخذ منه بعضهم حمل الكتاب على العلم الأزلي، وفيه نظر لجواز أن يكون قد جعل كون ذلك في كتاب مبين كناية عن علمه تعالى به.
وذهب أبو حيان إلى أنه رضي الله تعالى عنه اعتبر في الآية حذف أحد المتقابلين اكتفاءًا بالآخر وكلامه رضي الله تعالى عنه محتل لذلك، ويحتمل أنه ذكر العلانية في بيان المعنى لأن من علم السر علم العلانية من باب أولى، ويحتمل أن ذلك لأنه ما من علانية إلا وهي غيب بالنسبة إلى بعض الأشخاص، فيكون قد أشار رضي الله تعالى عنه ببيان المعنى وذكر السر والعلانية فيه إلى أن المراد بغائبة في الآية ما يشملهما وهو ما اتصف بالغيبة أعم من أن تكون مطلقة أو إضافية كذا قيل فتدبر.
{إِنَّ هذا القرءان يَقُصُّ على بَنِى إسرائيل أَكْثَرَ الذي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ}.
لما ذكر سبحانه ما يتعلق بالمبدأ والمعاد ذكر تعالى ما يتعلق بالنبوة فإن القرآن أعظم ما تثبت به نبوة نبينا صلى الله عليه وسلم فذكر جل وعلا أنه يقص على بني إسرائيل، والمراد بهم كما روى عن قتادة اليهود.
والنصارى أكثر ما تجدد واستمر اختلافهم فيه على وجه ويبين لهم حقيقة الأمر فيه وذلك مما يقتضي إلاسمهم لو تأملوا وأنصفوا لكنهم لم يفعلوا وكابروا مثلكم أيها المشركون، ومما اختلفوا فيه أمر المسيح عليه السلام، فمن قائل: هو الله تعالى، ومن قائل: ابن الله سبحانه، ومن قائل: ثالث ثلاثة، ومن قائل: هو نبي كغيره من الأنبياء عليهم السلام، ومن قائل: هو وحاشاه كاذب في دعواه النبوة وينسب مريم فيه إلى ما هي منزهة عنه رضي الله تعالى عنها وهم اليهود الذين كذبوه، وأمر النبي المبشر به في التوراة، فمن قائل: هو يوشع عليه السلام، ومن قائل: هو عيسى عليه السلام، ومن قائل: إنه لم يأت إلى الآن وسيأتي آخر الزمان.
ووما اختلفوا فيه أمر الخنزير فقالت اليهود: بحرمة أكله، وقالت النصارى: بحله إلى غير ذلك.
{وَإِنَّهُ لَهُدًى وَرَحْمَةٌ لّلْمُؤمِنِينَ} على الإطلاق فيدخل فيهم من آمن من بني إسرائيل دخولًا أوليًا، وتخصيص المؤمنين بهم كما فعل بعضهم خلاف الظاهر، وتخصيص المؤمنين بالذكر مع أنه رحمة للعالمين لأنهم المنتفعون به.
{إِن رَبَّكَ يَقْضِى بَيْنَهُم} أي بين بني إسرائيل الذين اختلفوا أو بين المؤمنين وبين الناس {يحُكْمه} قيل: أي بحكمته جل شأنه، ويدل عليه قراءة جناح بن حبيش بحكمه بكسر الحاء وفتح الكاف جمع حكمة مضاف إلى ضميره تعالى، وقيل: المراد بالحكم المحكوم به إطلاقًا للمصدر على اسم المفعول، والمراد بالمحكوم به الحق والعدل، وعلى الوجهين لم يبق على المعنى المصدري، والداعي لذلك أن يقضي بمعنى يحكم فلو بقي الحكم على المعنى المصدري لصار الكلام نحو قولك: زيد يضرب بضربه وهو لا يقال مثله في كلام عربي، وأورد عليه أنه يصح أن يقال ذلك على معنى يضرب بضربه وهو لا يقال مثله في كلام عربي، وأورد عليه أنه يصح أن يقال ذلك على معنى يضرب بضربه المعروف بالشدة مثلًا، فالمعنى هنا يحكم بحكمه المعروف بملابسة الحق، أو يحكم بحكم نفسه تعالى لا بحكم غيره عز شأنه كالبشر، وقيل عليه: ليس المانع لصحة مثل هذا القول إضافة المصدر إلى ضمير الفاعل فإنه لا كلام في صحته كإضافته إلى ضمير المفعول في {سعى لها سعيها} [الإسراء: 19] إنما المانع دخول الباء على المصدر المؤكد، ثم إن المعنى الأول يوهم أن له سبحانه حكمًا غير معروف بملابسة الحق، والثاني إنما يظهر لو قدم بحكمه، وفيه أنه على ما ذكر ليس بمصدر مؤكد، وعدم الجواز في المصدر النوعي لاسيما إذا كان من غير لفظه ليس بمسلم، وأيضًا الظاهر أن المانع بزعم المؤول لزوم اللغوية لو لم يئول بما ذكر، والأولى إبقاؤه على المصدرية، وجل الإضافة للعهد، وكون المعنى كما قال المورد: يحكم بحكمه المعروف بملابسة الحق وأمر التوهم على طرف الثمام؛ وأيًا ما كان فالضمير المجرور عائد على الرب سبحانه وعوده على القرآن على أن المعنى يحكم بالحكم الذي تضمنه القرآن واشتمل عليه من إثابة المحق وتعذيب المبطل وحينئذ لا يحتاج إلى كثرة القيل والقال لا يخفى ما في من القيل والقال على من له أدنى تمييز بأساليب المقال: {يَشَاء وَهُوَ العزيز} فلا يرد حكمه سبحانه وقضاؤه جل جلاله {العليم} بجميع الأشياء التي من جملتها ما يقضي به، والفاء في قوله تعالى: {فَتَوَكَّلْ عَلَى الله} لترتيب الأمر على ما ذكر من شئونه عز وجل فإنها موجبة للتوكل عليه تعالى وداعية إلى الأمر به؛ وفي ذكره تعالى بالاسم الجامع تأييد لذلك أي فتوكل على الله الذي هذا شأنه فإنه يوجب على كل أحد أن يتوكل عليه ويفوض جميع أموره إليه جل وعلا، وقوله تعالى: {إِنَّكَ عَلَى الحق المبين} تعليل صريح للتوكل عليه تعالى بكونه عليه الصلاة والسلام على الحق البين أو الفاصل بينه وبين الباطل أو بين المحق والمبطل فإنه كونه صلى الله عليه وسلم كذلك مما يوجب الوثوق بحفظه تعالى ونصرته وتأييده لا محالة، وقوله سبحانه: {إِنَّكَ لاَ تُسْمِعُ الموتى} الخ تعليل آخر للتوكل الذي هو عبارة عن التبتل إلى الله تعالى وتفويض الأمر إليه سبحانه والإعراض عن التشبث بما سواه، وقد علل أولًا بما يوجبه من جهته تعالى أعني قضاءه عز وجل بالحق وعزته وعلمه تبارك وتعالى، وثانيًا بما يوجبه من جهته عليه الصلاة والسلام على أحد الوجهين أعني كونه صلى الله عليه وسلم على الحق ومن جهته تعالى على الوجه الآخر أعني إعانته تعالى وتأييده تعالى للمحق، ثم علل ثالثًا بما يوجبه لكن لا بالذات بل بواسطة إيجابه للإعراض عن التشبث بما سواه تعالى، فإن كونهم كالموتى والصم والعمى موجب لقطع الطمع عن مشايعتهم ومعاضدتهم رأسًا، وداع إلى تخصيص الاعتضاد به تعالى، وهو المعنى بالتوكل عليه جل شأنه، وجوز أن يكون قوله تعالى: {إِنَّكَ لاَ تُسْمِعُ} الخ استئنافًا بيانيًا وقع جوابًا لسؤال نشأ مما قبله، أعني إنك على الحق المبين كأنه قيل: ما بالهم غير مؤمنين بمن هو على الحق المبين فقيل: {إِنَّكَ لاَ تُسْمِعُ الموتى}. إلخ.
وتعقيب بأنه يأباه السياق، واعترض بالمنع وإنما شبهوا بالموتى على ما قيل لعدم تأرهم بما يتلى عليهم من القوارع، وإطلاق الأسماع عن المفعول لبيان عدم سماعهم لشيء من المسموعات، وقيل: لعل المراد تشبيه قلوبهم بالموتى فيما ذكر من عدم الشعور فإن القلب مشعر من المشاعر أشير إلى بطلانه بالمرة، ثم بين بطلان مشعري الأذن والعين كما في قوله تعالى: {لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ ءاذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا} [الأعراف: 971] وإلا فبعد تشبيه أنفسهم بالموتى لا يظهر لتشبيههم بالصم والعمى مزيد مزية وكأنه لهذا في البحر: أي موتى القلوب، أو شبهوا بالموتى لأنهم لا ينتفعون بما يتلى عليهم فقدم احتمال نسبة الموت إلى قلوبهم.
وتعقب بأن ماذكر تخيل بارد لأن القلب يوصف بالفقه والفهم لا السمع، وما ذكر أولًا من أنهم أنفسهم شبهوا بالموتى هو الظاهر، ووجهه أن على طريق التسليم والنظر لأحوالهم كأنه قيل: كيف تسمعهم الأرشاد إلى طريق الحق وهم موتى وهذا بالنظر لأول الدعوة ولو أحييناهم لم يفد أيضًا لأنهم صم، وقد ولوا مدبرين وهذا بالنظر لحالهم بعد التبليغ البليغ ونفرتهم عنه، ثم إنا لو أسمعناهم أيضًا فهم عمى لا يهتدون إلى العمل بما يسمعون، وهذا خاتمة أمرهم، ويعلم من هذا ما في ذلك من مزيد المزية الخالية عن التكلف.
وجوز أن يكون التشبهي لطوائف على مراتبهم في الضلال، فمنهم من هو كالميت.
ومن هو كالأصم ومن هو كالأعمى، وهو وإن كان وجهًا خفيف المؤنة إلا أنه خلاف الظاهر أيضًا.
وقوله سبحانه: {إِنَّكَ لاَ تُسْمِعُ الموتى} الخ تعليل آخر للتوكل الذي هو عبارة عن التبتل إلى الله تعالى وتفويض الأمر إليه سبحانه والإعراض عن التشبث بما سواه، وقد علل أولًا بما يوجبه من جهته تعالى أعني قضاءه عز وجل بالحق وعزته وعلمه تبارك وتعالى، وثانيًا بما يوجبه من جهته عليه الصلاة والسلام على أحد الوجهين أعني كونه صلى الله عليه وسلم على الحق ومن جهته تعالى على الوجه الآخر أعني إعانته تعالى وتأييده تعالى للمحق، ثم علل ثالثًا بما يوجبه لكن لا بالذات بل بواسطة إيجابه للإعراض عن التشبث بما سواه تعالى، فإن كونهم كالموتى والصم والعمى موجب لقطع الطمع عن مشايعتهم ومعاضدتهم رأسًا، وداع إلى تخصيص الاعتضاد به تعالى، وهو المعنى بالتوكل عليه جل شأنه، وجوز أن يكون قوله تعالى: {إِنَّكَ لاَ تُسْمِعُ} الخ استئنافًا بيانيًا وقع جوابًا لسؤال نشأ مما قبله، أعني {إنك على الحق المبين} [النمل: 79] كأنه قيل: ما بالهم غير مؤمنين بمن هو على الحق المبين فقيل: {إِنَّكَ لاَ تُسْمِعُ الموتى}. إلخ.
وتعقيب بأنه يأباه السياق، واعترض بالمنع وإنما شبهوا بالموتى على ما قيل لعدم تأرهم بما يتلى عليهم من القوارع، وإطلاق الأسماع عن المفعول لبيان عدم سماعهم لشيء من المسموعات، وقيل: لعل المراد تشبيه قلوبهم بالموتى فيما ذكر من عدم الشعور فإن القلب مشعر من المشاعر أشير إلى بطلانه بالمرة، ثم بين بطلان مشعري الأذن والعين كما في قوله تعالى: {لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ ءاذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا} [الأعراف: 179] وإلا فبعد تشبيه أنفسهم بالموتى لا يظهر لتشبيههم بالصم والعمى مزيد مزية وكأنه لهذا في البحر: أي موتى القلوب، أو شبهوا بالموتى لأنهم لا ينتفعون بما يتلى عليهم فقدم احتمال نسبة الموت إلى قلوبهم.
وتعقب بأن ماذكر تخيل بارد لأن القلب يوصف بالفقه والفهم لا السمع، وما ذكر أولًا من أنهم أنفسهم شبهوا بالموتى هو الظاهر، ووجهه أن على طريق التسليم والنظر لأحوالهم كأنه قيل: كيف تسمعهم الأرشاد إلى طريق الحق وهم موتى وهذا بالنظر لأول الدعوة ولو أحييناهم لم يفد أيضًا لأنهم صم، وقد ولوا مدبرين وهذا بالنظر لحالهم بعد التبليغ البليغ ونفرتهم عنه، ثم إنا لو أسمعناهم أيضًا فهم عمى لا يهتدون إلى العمل بما يسمعون، وهذا خاتمة أمرهم، ويعلم من هذا ما في ذلك من مزيد المزية الخالية عن التكلف.
وجوز أن يكون التشبهي لطوائف على مراتبهم في الضلال، فمنهم من هو كالميت ومن هو كالأصم ومن هو كالأعمى، وهو وإن كان وجهًا خفيف المؤنة إلا أنه خلاف الظاهر أيضًا.
{وَلاَ تُسْمِعُ الصم الدعاء} أي الدعوة إلى أمر من الأمور، وتقييد النفي بقوله تعالى: {إِذَا وَلَّوْاْ مُدْبِرِينَ} لتتميم التشبيه وتأكيد النفي فإنهم مع صممهم عن الدعاء إلى الحق معرضون عن الداعي مولون على أدبارهم، ولا ريب في أن الأصم لا يسمع الدعاء مع كون الداعي بمقابلة صماخه قريبًا منه، فكيف إذا كان خلفه بعيدًا منه، ومثله في التتميم قول امرىء القيس:
حملت ردينيا كأن سنانه ** سنا لهب لم يتصل بدخان

وقرأ ابن كثير لا يسمع الصم الدعاء بالياء التحتانية وفتح الميم ورفع الصوت.
{وَمَا أَنتَ بِهَادِى العمى عَن ضلالتهم} أي وما أنت بصارف العمى عن ضلالتهم هاديًا لهم هداية موصلة إلى المطلوب لفقد الشرط العادي للاهتداء وهو البصر، و{عَنْ} متعلقة بالهداية باعتبار تضمنها معنى الصرف كما أشرنا إليه، وجوز أبو البقاء أن تعلق بالعمى ويكون المعنى أن العمى صدر عن ضلالتهم وفيه بعد، وإيراد الجملة الاسمية للمبالغة في نفي الهداية.
وقرأ يحيى بن الحرث وأبو حيوة بهاد بالتنوين {العمى} بالنصب، وقرأ الأعمش وطلحة وابن وثاب وابن يعمر وحمزة تهدي مضارع هدي {العمى} بالنصب، وقرأ ابن مسعود وما أن تهتدي بزيادة أن بعدما كما في قول امرىء القيس:
حلفت لها بالله حلفة فاجر ** لناموا فما أن من حديث ولا صال

وتهتدي مضارع اهتدى، و{العمى} بالرفع {إِن تُسْمِعُ} أي ما تسمع إسماعًا يجدي السامع نفعًا.
{إِلاَّ مَن يُؤْمِنُ بآياتنا} أي من شأنهم الايمان بها وهو الذين ليسوا موتى ولا صمًا ولا عميًا.
وقال بعض الأجلة: أي إلا من هو في علم الله تعالى كذلك، واعترض بأن صيغة الاستقبال وإن صحت باعتبار تعلق العلم فيما لا يزال إلا أن المناسب صيغة المضي، واختار المعترض أن المعنى إلا الذين يصدقون أن القرآن كلام الله تعالى إذ حينئذ تثبت نبوته صلى الله عليه وسلم فيقبل قوله ويجدي إسماعه نفعًا، وتعقب بأنه ينتقض الحصر بالمصدقين في الاستقبال إن كانت الصيغة للحال وبالمصدقين في الحال إن كانت للاستقبال، وإذا دفع لزوم الانتقاض بجعلها لهما لزم استعمال المشترك في معنييه معًا أو الجمع بين الحقيقة والمجاز، وأجيب بأن المراد الحال ويدخل غيره فيه بدلالة النص من غير تكليف.
وقال بعض المحققين: قد يراد بالمضارع الاستقبال الشامل لجميع الأزمنة فإن الاستقبال كما يكون بالنظر لزمان الحكم والتكلم على ما حقق في الأصول يجوز أن يكون بالنظر إلى علم القائل أيضًا فيشمل من يؤمن هنا من آمن حالًا كما يشمل من يؤمن استقبالًا فلا غبار في المعنى الذي اختاره ذلك المعترض من هذه الحيثية، نعم قيل: إن فيه شبه تحصيل الحاصل لأن التصديق بالقرآن هو استماعه النافع، ولعل من عدل عنه إنما عدل لذلك، ولم يعبأ بالمغايرة بين ذينك الأمرين الظاهرة بعد النظر الصحيح، والحق أن ما ذكر من شبه تحصيل الحال على طرف الثمام لظهور الفرق بين الأسماع المراد في الآية والتصديق بأن القرآن كلام الله تعالى كما لا يخفى، وجوز أن يراد بالآيات المعجزات التي أظهرها الله تعالى على يده عليه الصلاة والسلام الشاملة للآيات التنزيلية والتكوينية وأن يراد بها الآيات التكوينية فقط، والايمان بها التصديق بكونها آيات الله تعالى وليست من السحر وإذا أريد بالأسماع النافع على هذا إسماع الآيات التنزيلية ليؤتى بما تضمنته من الاعتقادات والأعمال كأن الكلام أبعد وأبعد من أن يكون فهي شبه تحصيل الحاصل إلا أن ذلك لا يخلو عن شيء، وفي إرشاد العقل السليم أن إيراد الأسماع في النفي والإثبات دون الهداية مع قربها بأن يقال: إن تهدي إلا من يؤمن الخ لما أن طريق الهداية هو إسماع الآيات التنزيلية فافهم، وقوله تعالى: {فَهُم مُّسْلِمُونَ} قيل: تعليل لإيمانهم بها كأنه قيل: فإنهم منقادون للحق في كل وقت.
وقيل: مخلصون لله تالى من قوله تعالى: {بلى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ} [البقرة: 112]، وقيل: هو تعليل لما يدل عليه الكلام من أنهم يسمعون إسماعًا نافعًا لهم، وفي توحيد الضمير تارة وجمعه أخرى رعاية للفظ من ومعناها واستدل بقوله سبحانه: {إِنَّكَ لاَ تُسْمِعُ الموتى} على أن الميت لا يسمع كلام الناس مطلقًا، وسيأتي إن شاء الله تعالى تفصيل الكلام في ذلك في سورة الروم على أتم وجه. اهـ.